ضرورة الفن للانسان

الفن هو نشاط انسانى حتمى يحتل جزء هام من التركيب البشرى ولا يمكن الفصل بين الفن و بين الإنسان وله ضرورته القصوى فى حفظ التوازن الوجدانى لدى الإنسان للمحافظة على حياته من الفناء أو الانقراض .

والمرجح أن الانسان قد وصل إلى قمة الفن حينما لم يكن مدركا لوظيفة الفن الرئيسة وهى خلق الوسيط بين الكون والإنسان فهو يهيئ مكان اللقاء بين الواقع المادى الملموس والواقع الروحى المحسوس سواء عن طريق الأداء الإبداعى الخلاق الذى يسعى إلى تفسيرها ،ولتفسير ظاهرة هذا النشاط الإبداعى الحتمى لدى الإنسان نجد إنه من نتاج جزء من تكوين الإنسان كأسمى المخلوقات ومن تركيبه.

إن كل المخلوقات الحية سواء كانت نبات أو حيوان أو إنسان وجدت على الأرض يهددها خطر الفناء أو الإنقراض ولذا يدفعها شعور مستمر من الخوف لمقاومة هذين الخطرين، فلكى تقاوم خطر الفناء فتأكل وتشرب وتنام وتقاوم الأمراض ، أى تمارس مقومات الحياة ولكى تقاوم خطر الأنقراض فتتناسل وتتأقلم وتنجب أجيال للمحافظة على الجنس.

لو نظرنا إلى النبات نجده مزود بعدة خاصيات ليست موجودة فى غيره من الكائنات الحية تساعده على النمو ومقاومة الفناء أو الأنقراض.

وكذلك الحيوان فهو مزود بعدة غرائز تساعده على البقاء وعلىعدم الإنقراض يوجهها وينشطها شعوره بالخوف من المجهول الذى يحيط به.

أما الإنسان وهوأسمى مخلوقات الله فزوده الخالق عز وجل من غرائز الحيوان بجهاز العقل الذى ينتج الفكر وبقدر مايزيد الإنسان من استعمال العقل بقدر ما يقلل من استعمال الغرائز وهذه بدورها تفرق بينه وبين الحيوان والنبات .

إن شعور الخوف لدى الإنسان يبدأ من لحظة مفارقتة لرحم الأم حين يحس بمجهول الحياةالجديدة يهدده . فينزع لمقاومتة غريزيا بأن يصرخ ويأتى بحركات إذا ماشعر بالجوع والقلق وفى هذة الحالات الاولى من ولادة الطفل لا يستعمل فيها جهاز العقل وتدريجيا يبدأ فى التعرف على امكانيات هذا الجهاز ليستغنى عن النزوع الغريزى
والعقل ينتج الفكر فى صورتين:
1- خيال 2 – واكتشاف بمعنى انة يمكن التعرف على الأشياء
وأستنتاج علاقات بينها ويمكن تصور عدة أشياء خيالية.

والطفل يبدأ فى استعمال الجانب الخيالى من نشاطة الفكرى وكذلك الانسان الأول لقلة المعرفة لدية فالطفل الذى يركب العصى ويقول انة فارس فهو فى الحقيقة صادق لأن القدرة التخيلية عنده هى المسيطرة وعندما يربط الطفل بعض المعلومات فى قصة لا يمكن أن تصدق فهو فى هذة الحالة لا يكذب بل أن نشاطه الخيالى هو المبدع فى هذه اللحظة واذا لم نكن واعيين فعلا بهذة فنسىء للطفل كثيرا ولابد ان نعترف ان الطفل فى هذه اللحظات يقوم بعملية تجسيد لخيالة.

ومن انواع التجسيد للخيال عند الطفل كما هو عند الأنسان الأول كان التشكيل وذلك عن طريق (شخبطاط ) أولا تبدأ فى النضوج الى أشكال قريبة المحاكاة الطبيعية وتحمل معانى.

ولو بدأنا فى تتبع عملية الابداع الفنى عند الانسان البدائى نرى المجهول بالنسبة لهذا الانسان وقلة المعرفة لدية كانت كبيرة وكثيرة ولذا استعمل هذا اللون من تجسيدخيالة للحصول على المعرفة ولتأمين حركتة وحياتة فكان اذا ما أراد الصيد فيبدأ أولا فى عمل رسوم تخطيطة عن عملية الصيد الذى سيمر بها وبذلك يأنها سوف تنتهى بخير كما رسمها وسطر عليها واصبحت بالنسبة لة شىء غبر مجهول ولقد ظهر فى الاعمال التى وجدت من مخلفات تلك العصورما ينم عن ذلك.

ومن هنا وجدنا أن الفن أصبح ضرورة للمعرفة قبل وجود المعرفة العلمية بل مهد الفن لظهور الفكر العلمى الذى حاول كشف وتفنن ما جسده الخيال من أجل أمان الإنسان وبقائه.والفن لم يوجد لرفاهية الإنسان ولكنه ظاهرة حتمية للمحافظة على بنائه وحمايته من الأنفجار أمام التقدم المادى الكبير للعلم ، ففى الوقت الذى مارس فيه الإنسان الأول هذا النشاط لكى يؤمن نفسه ويكتشف ما حوله نجد فى عصرنا الحديث انه كلما اشتدت وطأة الانجازات العلمية والاكتشافات المادية لجأ الانسان إلى تعاطى جرعات من الفن للتسكين والتأمين والحصول على التوازن الوجدانى حتى يمكنه من استعادة بنائه الداخلى والاستعداد لتقبل الجديد من واقع الاكتشافات العلمية.

ويقوم دور الفن على الايحاء والايهام والخيال ولتفسير هذه الظاهرة رأى بعض المفكرين أن الابداع الفنى نوع منم أنواع الجمال الذى هو عبارة عن ومضة مضيئة لو حاولنا الامساك بها للتعرف عليها علميا تذبل وتموت وهذا القول موغل فى المثالية.

ويرى فريق آخر من المفكرين أن العملية الابداعية تقوم على النمو والحوار بين الفنان والعمل الفنى ، وهناك أبحاث كثيرة مستمرة عن الفن والفنانين وللأسف لم تتوصل بعد لمعرفة كنية هذا التفاعل داخل الفنان أثناء عملية الابداع فهو كالتيار الكهربائى المتذبذب والمتغير تارة نجد الفنان فى حالة عدم إدراك ووعى بما حوله يدفعه نشاط العقل الباطن ، وتارة آخرى نراه واعيا يقيم ما عمله فيحذف أو يضيف بعقل الناقد الواعى